فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{لاَ جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)}.
قوله تعالى: {لاَ جَرَمَ} قد تقدَّمَ الكلامُ على هذه اللفظةِ في سورةِ هود، والعامَّةُ على فتحِ الهمزة مِنْ {انَّ اللهَ} وكَسَرَها عيسى الثقفيُّ، وفيها وجهان، أظهرُهما: الاستئنافُ، والثاني: جَرَيانُ {لا جَرَم} مَجْرَى القسمِ فَتُتَلَقَّى بما يُتَلَقَّى به، وقال بعضُ العرب: لا جَرَم واللهِ لا فارَقْتُك وهذا عندي يُضْعِفُ كونَها للقسم لتصريحه بالقسمِ بعدها، وإن كان الشيخ أتى بذلك مُقَوِّيًا لجريانِها مَجْرى القسَم.
{إِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)}.
قوله تعالى: {مَّاذَا أَنْزَلَ} قد تقدَّم الكلامُ على {ماذا} أولَ البقرة، وقال الزمخشري: أو مرفوعٌ بالابتداء بمعنى: أيُّ شيءٍ أنزلَه ربُّكم؟ قال الشيخ: وهذا غيرُ جائزٍ عند البصريين. يعني مِنْ كونِه حَذَفَ عائدَه المنصوب نحو: زيدٌ ضربتُ وقد تقدَّم خلافُ الناس في هذا، والصحيحُ جوازه.
والقائمُ مَقامَ فاعلِ {قيل} الجملةُ مِنْ قوله: {مَّاذَا أَنْزَلَ} لأنها المَقُولَةُ، والبصريون يَأْبَوْنَ ذلك، ويجعلون القائمَ مقامَه ضميرَ المصدرِ؛ لأنَّ الجملةَ لا تكونُ فاعلةً ولا قائمةً مقامَ الفاعلِ، والفاعلُ المحذوفُ: إمَّا المؤمنون، وإمَّا بعضُهم، وإمَّا المقتسِمون.
وقرئ: {أساطيرَ} بالنصب، على تقدير: أَنْزَلَ أساطيرَ على سبيل التهكُّم، أو ذكرتُمْ أساطيرَ، والعامَّةُ، برفعِه على خبر مبتدأ مضمرٍ، أي: المنزَّلُ أساطيرٌ على سبيل التهكُّم، أو المذكورُ أساطيرُ، وللزمخشريِّ هنا عبارةٌ فظيعةٌ يقف منها الشَّعْرُ.
{يَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاء مَا يَزِرُونَ (25)}.
قوله تعالى: {لِيَحْمِلُواْ} في هذه اللام ثلاثةُ أوجه، أحدها: أنها لامُ الأمرِ الجازمةُ على معنى الحَتْمِ عليهم، والصِّغارِ الموجبِ لهم، وعلى هذا فقد تَمَّ الكلامُ عند قوله: {الأوَّلين}، ثم اسْتُؤْنِف أَمْرُهم بذلك. الثاني: أنها لامُ العاقبة، أي: كان عاقبةُ قولِهم ذلك، لأنهم لم يقولوا {أساطير} لِيَحْمِلوا، فهو كقوله تعالى: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8]، وقوله:
لِدُوا للموتِ وابْنُوا للخرابِ

الثالث: أنَّها للتعليل، وفيه وجهان: أحدهما: أنه تعليلٌ مجازيٌّ. قال الزمخشري: واللامُ للتعليلِ مِنْ غيرِ أن يكونَ غرضًا نحو قولِك: خرجْتُ من البلد مخافةَ الشرِّ، والثاني: أنه تعليلٌ حقيقةً. قال ابن عطية: بعد حكاية وجهِ لامِ العاقبة ويُحتمل أن تكونَ صريحَ لامِ كي، على معنى: قَدَّر هذا لكذا، انتهى. لكنه لم يُعَلِّقُها ب {قالوا} إنما قَدَّرَ لها علةَ {كيلا}، وهو قَدَّر هذا، وعلى قول الزمخشري يتعلَّقُ ب {قالوا}؛ لأنها ليست لحقيقةِ العلَّةِ، و{كاملةً} حالٌ.
قوله: {وَمِنْ أَوْزَارِ} فيه وجهان، أحدهما: أنَّ {مِن} مزيدةٌ، وهو قولُ الأخفش، أي: وأوزار الذين على معنى: ومثل أوزارِ، كقولِه: «كان عليه وِزْرُها ووِزْرُ مَنْ عَمِل بها»، والثاني: أنها غيرُ مَزيدةٍ وهي للتبعيضِ، أي: وبعض أوزارِ الذين، وقدَّر أبو البقاء مفعولًا حُذِف وهذه صفتُه، أي: وأوزارًا مِنْ أوزارِ، ولابد مِنْ حذف {مثل} أيضًا.
وقد منع الواحديُّ أن تكونَ {مِنْ} للتبعيض قال: لأنه يَسْتلزِمُ تخفيفَ الأوزارِ عن الأتباع، وهو غيرُ جائزٍ لقوله عليه السلام من غير أن ينقصَ من أوزارهم شيءٌ لكنها للجنس، أي: ليحملوا من جنس أوزارِ الأتباع. قال الشيخ: والتي لبيانِ الجنسِ لا تتقدَّر هكذا، إنما تتقدَّر: والأوزار التي هي أوزارُ الذين، فهو من حيث المعنى كقول الأخفش، وإن اختلفا في التقدير.
قوله: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} حالٌ، وفي صاحبِها وجهان، أحدُهما: أنه مفعولٌ {يُضِلُّونهم}، أي: يُضِلُّون مَنْ لا يعلم أنهم ضُلاَّلٌ، قاله الزمخشري، والثاني: أنه الفاعل، ورُجِّح هذا بأنه هو المُحدَّث عنه، وقد تقدَّم الكلامُ في إعرابِ نحو: {ساء ما يَزِرون}، وأنها قد تجري مَجْرى بِئْس. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22)}.
لا قَسِيم لِذَاتِه جوازًا أو وجوبًا، ولا شبيهَ له ولا شريك.، ومَنْ لم يتحققْ بهذه الجملة قطعًا، وبشهادة البراهين له تفصيلًا فهو في دَرَكَاتِ الشِّرك واقعٌ، وعن حقائق التوحيج بمعزل، قال تعالى في صفة الكفار: {قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} أي في أَسْرِ الشِّرْكِ وغطاء الكفر، ثم ليس فيه اتصاف لطلب العرفان؛ لأنَّ العلةَ- لِمَنْ أراد المعرفة- مُتاحة، وأدلة الخْلق لائحة.
قوله جلّ ذكره: {لاَ جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}.
فيفضحهم ويبيِّنُ نفاقَهم، ويُعْلِنُ للمؤمنين كفرهم وشِقاقهم.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْتَكْبِرِينَ} دليل الخطاب أنه يحب المتواضعين المتخاشعين، ويكفيهم فضلًا بشارة الحق لهم بمحبته لهم.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)} لَحقَهم شؤمُ تكذيبهم، فأَصروا على إعراضهم عن النظر، وقَسَتْ قلوبُهم ولم تجنح إلى الإقرار بالحق، فَلَبِّسُوا على من يسائلهم، وقالوا: هذا الذي جاء به محمد من أكاذيب العجم. فَضلُّوا وأَضَلوا.
{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاء مَا يَزِرُونَ (25)} لما سَعَوْا في الدنيا لغير الله لم تَصْفُ أعمالُهم، وفي الآخرة حَمَلُوا معهم أوزارهم.. أولئك الذين خَسِروا في الدنيا والآخرة. اهـ.

.من فوائدالنيسابوري:

وإذا لم يكن الحمير والخيل محرمين لم يكن لتحريم البغال المتولدة منهما وجه، وأيضًا كون معظم المنة في الأكل بالنسبة إلى هذه الأنواع ممنوع بل الركوب والزينة هما أعظم المنافع فيها ولهذا جعلا تمام المقصود منها، فكأنما أعطى الأكثر والمعظم حكم الكل، واقتضاء الحصر في قوله: {ومنها تأكلون} ممنوع بل لعل الظرف قدم لرعاية الفاصلة. ثم إن أنواع الغرائب والعجائب المخلوقة في هذا العالم لا حد لها ولا حصر فلهذا أشار إلى ما بقي منها على سبيل الإجمال فقال: {ويخلق ما لا تعلمون} أي كنهه وتفاصيله بل نوعه وجنسه فإن مركبات العالم السفلي وغرائب العالم العلوي لا يعلمها إلا موجدها.
روى عطاء ومقاتل والضحاك عن ابن عباس أنه قال: إن عن يمين العرش نهرًا من نور مثل السموات السبع والأرضين السبع والبحار السبعة، يدخل فيه جبرائيل عليه السلام كل سحر ويغتسل فيزداد نورًا إلى نوره وجمالًا إلى جماله، ثم ينتفض فيخلق الله تعالى من كل نقطة تقع من رأسه كذا وكذا ألف ملك يدخل منهم كل يوم سبعون ألف ملك البيت المعمور، وفي الكعبة أيضًا سبعون ألفًا ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، وقيل: المراد ما خلق في الجنة والنار مما لم يبلغه فيهم أحد ولا وهمه.
ولما ذكر بعض دلائل التوحيد بين أنه إنما ذكرها إزاحة للعذر وإزالة للشبهة ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة فقال: {وعلى الله قصد السبيل} ذكر صاحب الكشاف أن السبيل للجنس والقصد مصدر بمعنى الفاعل يقال: قصد وقاصد أي مستقيم كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه، والجور الميل عن الاستقامة. احتجت المعتزلة بالآية على مسألتين من أصولهم: إحداهما أنه يجب على الله تعالى الإرشاد والهداية لأن كلمة {على} للوجوب والمضاف محذوف أي وعلى الله بيان قصد السبيل؛ فالمعنى أن هداية الطريق الموصل إلى الحق واجبة عليه، والثانية أنه لا يضل أحدًا ولا يغويه وإلا لقيل وعلى الله قصد السبيل وعليه جائرها أو وعليه الجائر فلما غير أسلوب الكلام قائلًا: {ومنها جائر} دل على أنه أراد أن يبين ما يجوز إضافته إليه من السبيلين وما لا يجوز، والجواب عن الأول بعد تسليم إفادة كلمة {على} الوجوب أنه وجوب بحسب الفضل والكرم لا بمعنى استحقاق الذم على الترك، وعن الثاني أن دلالة قوله: {ومنها جائر} على ما ذكرتم ليست دلالة المطابقة ولا التضمن ولا الالتزام، لأن قول القائل من السبيل سبل منحرفة لا يفيد إلا الإخبار بوجود الانحراف في بعض السبيل، فأما أن فاعل تلك السبيل من هو فلا دلالة للكلام عليه أصلًا على أن قوله: {ولو شاء لهداكم أجمعين} يناقض ما ادعيتم، وتفسير المشيئة بمشيئة الإلجاء والقسر أو بالهداية إلى الجنة خلاف الظاهر كما مر مرارًا، ولما استدل على وجود الصانع الحكيم بعجائب أحوال الحيوانات أراد أن يذكر الاستدلال على المطلوب بغرائب أحوال النبات فقال: {هو الذي أنزل من السماء ماء} وقوله: {لكم} متعلق بأنزل أو بشراب خبرًا له، والشراب ما يشرب كالطعام لما يطعم والمراد أن الماء النازل من السماء قسمان: بعضه يبقى لأجل الشرب كما هو ويحتمل أن يكون الماء المحتبس في الآبار والعيون منه كقوله: {فأسكناه في الأرض} [المؤمنون: 18]، وبعضه يحصل منه شجر يرعاه المواشي. قال الزجاج: كل ما ينبت من الأرض فهو شجر لأن التركيب يدل على الاختلاط ومنه تشاجر القوم إذا اختلط أصوات بعضهم بالبعض، ومعنى الاختلاط حاصل في العشب والكلأ وفيما له ساق.
وقال ابن قتيبة: المراد بالشجر في الآية الكلأ، وفي حديث عكرمة: «لا تأكلوا ثمن الشجر فإنه سحت» أراد الكلأ، وقيل الشجر كل ما له ساق كقوله: {والنجم والشجر يسجدان} [الرحمن: 6]، والعطف يقتضي التغاير، فلما كان النجم ما لا ساق له وجب أن يكون الشجر ما له ساق، وأجيب بأن عطف الجنس على النوع جائز، وبأن قوله: {فيه تسيمون} من سامت الماشية إذا رعت وأسامها صاحبها وهو من السومة العلامة لأنه تؤثر بالرعي علامات في الأرض يقتضي أن يكون الشجر هو العشب ليمكن الرعي، ورد بأن الإبل قد تقدر على رعي الأشجار الكبار، وحين ذكر مرعى الحيوان أتبعه ذكر غذاء الإنسان فقال: {ينبت لكم به الزرع} الذي هو الغذاء الأصلي {والزيتون} الذي هو فاكهة من وجه وغذاء من وجه لكثرة ما فيه من الدهن {والنخيل والأعناب} اللتين هما أشرف الفواكه. ثم أشار إلى الثمرات بقوله: {ومن كل الثمرات} كما أجمل الحيوانات التي لم يذكرها بقوله: {ويخلق ما لا تعلمون} قال في الكشاف: إنما لم يقل و{كل الثمرات} بل زاد {من} التبعيضية لأن كلها لا يكون إلا في الجنة، واعلم أنه قدم الغذاء الحيواني على الغذاء النباتي لأن النعمة فيه أعظم لأنه أسرع تشبيهًا ببدن الإنسان، وفي ذكر الغذار النباتي قدم غذاء الحيوان- وهو الشجر- على غذاء الإنسان- وهو الزرع وغيره- بناء على مكارم الأخلاق وهو أن يكون اهتمام الإنسان بحال من تحت يده أكمل من اهتمامه بحال نفسه، وإنما عكس الترتيب في قوله: {كلوا وارعوا أنعامكم} بناء على ما هو الواجب في نفس الأمر كقوله صلى الله عليه وسلم: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول».
قوله: {وسخر لكم الليل والنهار} معنى تسخيرهما للناس تصييرهما نافعين لهم بحسب مصالحهم على سنن واحد يتعاقبان دائمًا كالعبد المطواع، وكذا الكلام في تسخير الشمس والقمر والنجوم كما في الأعراف وفي سورة إبراهيم، وهذا حسم لمادة شبهة من يزعم أن حركات الأفلاك هي المقتضية لتعاقب الليل والنهار ومسيرات الكواكب هي المستدعية للحوادث السفليات، فإنه إن سلم لهم ذلك فلابد لتلك الحركات والمسيرات من الانتهاء إلى صانع قديم منزه عن التغير والإمكان مبرإ عن الحدوث والنقصان وهو الله سبحانه. {إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} قال جار الله: جمع الآية وذكر العقل لأن آثار العلو أظهر دلالة على القدرة الباهرة وأبين شهادة للكبرياء والعظمة، وقال غيره: إنما جمع الآيات لتطابق قوله: {مسخرات} ومثله في هذه السورة في موضع آخر {مسخرات في جوّ السماء ما يمكسهن إلا الله إن في ذلك لآيات}.
[النحل: 79]، وأقول: إنما جمع لأن كلًا من تسخيرًا الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم آية في نفسها لتباين الليل والنهار وتخالف مسيرات الكواكب كما هو مقرر في علم الهيئة بخلاف قوله: {ينبت لكم} فإن مطلق الإنبات آية واحدة، وكذا قوله: {وما ذرأ لكم في الأرض} أي خلق لكم فيها من حيوان وشجر وثمر وغير ذلك: {مختلفًا ألوانه} فإن ذرء هذه الأشياء على حالة اختلاف الألوان والأشكال مع تساوي الكل في الطبيعة الجسمية وفي تأثير الفلكيات فيها، آية واحدة على وجود الصانع تعالى شأنه، ولست أدعي إلا إمكان هذه الاعتبارات وإلا: ففي كل شيء آية تدل على أنه واحد، وإنما خص المقام الأول بالتفكر لإمكان إيراد الشبهة المذكورة، وخص المقام الثاني بالعقل لذكره بعد إماطة الشبهة وإزاحة العلة، فمن لم يعترف بعدها بالوحدانية فلا عقل له، وخص المقام الثالث بالتذكر لمزيد الدلالة فمن شك بعد ذلك فلا حس له، ومن جملة الآيات التي هي في الحقيقة إنعامات على الإنسان تسخير البحر بالركوب عليه والانتفاع به أكلًا ولبسًا، والمراد باللحم الطريّ السمك. قال ابن الأعرابي: لحم طريّ غير مهموز ومصدره طراوة. يقال: شيء طريّ أي غض بين الطراوة، وقال قطرب: طرو اللحم وطري طراوة والمراد في الآية السمك وما في معناه. قال في الكشاف: وصفه بالطراوة لأن الفساد يسرع إليه فيسارع إلى أكله خيفة الفساد عليه، وقال المتكلمون: إنه لما خرج من البحر المالح الزعاق الحيوان الذي لحمه في غاية العذوبة، علم أنه لم يحدث بحسب الطبع بل حدث بقدرة الله تعالى وحكمته بحيث أظهر الضد من الضد. قال أكثر الفقهاء ومنهم أبو حنيفة والشافعي: من حلف أن لا يأكل لحمًا فأكل سمكًا لم يحنث لأن اللحم لا يتناوله عرفًا، ومبنى الأيمان على العرف والعادة، ولهذا لو قال لغلامه: اشتر لحمًا فجاء بالسمك كان حقيقًا بالإنكار عيله، ورد عليهم الإمام فخر الدين الرازي بأنه إذا قال لغلامه: اشتر لحمًا فجاء بلحم العصفور كان حقيقًا بالإنكار مع أنكم تقولون إنه يحنث بأكل لحم العصفور. فثبت أن العرف مضطرب والرجوع إلى نص القرآن متعين فليس فوق بيان الله بيان، ولقائل أن يقول: لعل الإنكار في هذه الصورة بعد تسليمه إنما جاء من قبل ندرة شراء العصفور أو شراء لحمه فإنه إنما يشترى كله ولم يجىء من إطلاق اللحم على لحمه، ومن منافع البحر استخراج الحلية منه قالوا: أراد بالحلية اللؤلؤ والمرجان، والمراد بلبسهم لبس نسائهم لأنهن من جملتهم ولأن تزيينهن لأجلهم، ولقائل أن يقول: لا مانع من تزيين الرجال باللآلىء ونحوها شرعًا فلا حاجة إلى هذه التكلف. استدل الإمام فخر الدين بالآية في إبطال قول الشافعية إنه لا زكاة في الحلى قال: لأن اللام فيما يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا زكاة في الحلى» تنصرف إلى المعهود السابق ولا معهود إلا ما في الآية من الحلية فصار معنى الحديث: لا زكاة في اللآلىء، وهذا باطل بالاتفاق، ولقائل أن يقول: لم لا يجوز أن تكون اللام للجنس فتشمل المصوغ من الذهب والفضة أيضًا فيكون الحديث مخصصًا بالآية إن ثبت صحته؟